حلول مبتكرة بجودة ومرونة تلبّي تطلعاتك

مقالة

أهم الميزات التي يجب أن تتوفر في منصات جمع التبرعات الرقمية لعام 2025

تجربة المتبرع
حلول رقمية

أهم الميزات التي يجب أن تتوفر في منصات جمع التبرعات الرقمية لعام 2025

شهد قطاع العمل الخيري تحولًا رقميًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، وأصبحت التبرعات الرقمية عنصرًا حيويًا لدعم المنظمات غير الربحية وتعزيز مواردها المالية. إذ تتيح المنصات الإلكترونية وصولًا أوسع لشريحة المتبرعين، وتسهِّل عملية التبرع في أي وقت ومن أي مكان. على سبيل المثال، حققت جمعية خيرية في إمارة الشارقة قفزة نوعية بجمع 107.6 مليون درهم عبر منصاتها الرقمية في عام 2024، كما جمعت المنصة الوطنية للعمل الخيري في السعودية (إحسان) أكثر من 1.8 مليار ريال من خلال ما يزيد عن 19 مليون عملية تبرع في شهر رمضان وحده – وهي أرقام تؤكد تنامي إقبال المجتمع على العطاء الرقمي. في ظل هذه الأهمية المتصاعدة، يصبح من الضروري أن تتمتع منصات جمع التبرعات الرقمية بمزايا تقنية ووظيفية تلبي توقعات المستخدم العربي وتعزز ثقته. فيما يلي أبرز الميزات الواجب توفرها في منصات التبرع الرقمي لعام 2024:

الأمان والثقة (Security & Trust)

تمثل موثوقية المنصة وأمانها حجر الأساس في نجاح جمع التبرعات عبر الإنترنت. المستخدمون لن يقدموا معلوماتهم المالية أو تبرعاتهم إلا على منصات تتمتع بدرجة عالية من الحماية والشفافية. لذلك، يجب أن تدعم المنصة بروتوكولات التشفير الحديثة (SSL/TLS) لضمان سرية بيانات البطاقات المصرفية، والامتثال لمعايير أمن المعلومات (مثل معيار PCI DSS لحماية بيانات بطاقات الدفع). كما ينبغي توفير طرق تحقق متعددة (مثل المصادقة الثنائية) لحماية حسابات المتبرعين والمنظمات من الاختراق.

من جانب بناء الثقة، على المنصة إظهار علامات المصداقية بوضوح. فقد أظهرت الدراسات أن %68 من المتبرعين عبر الإنترنت يثقون أكثر بالمواقع والبريد الإلكتروني ذي نطاق .org (الخاص بالمنظمات). كذلك، فإن وجود شارات اعتماد أو شهادات تقييم خيرية معروفة يزيد احتمال تبرع المستخدمين؛ حيث أكد %72 من الأفراد أن رؤية شارة تقييم موثوقة على صفحة التبرع تُحفّزهم على تقديم التبرع. لذا، من المفيد تضمين شعارات الهيئات الموثِّقة أو الجوائز التي حصلت عليها المنصة. وفي السياق العربي، قد يكون الحصول على تصريح حكومي أو شراكة رسمية علامة مطمئنة للمتبرعين بأن أموالهم ستصل لمستحقيها وليس لجهات مجهولة.

علاوة على ذلك، يتعين على المنصة تبنّي مبدأ الشفافية في عرض كيفية استخدام التبرعات وتقديم تقارير دورية للمتبرعين. هذا الجانب مهم لكسب ثقة المجتمع وتعزيز المصداقية. فعلى سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية برزت ظاهرة “التسوُّل الإلكتروني” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع السلطات لإطلاق منصات حكومية معتمدة لضبط عملية جمع التبرعات. وقد جاء التوجه نحو توحيد الجهود عبر منصة وطنية (مثل إحسان) لضمان إيصال التبرعات لمستحقيها والحد من استغلال الحالات الإنسانية بشكل غير مشروع. من هنا ندرك أن الأمان لا يقتصر على التقنية فقط، بل يشمل أيضًا توفير بيئة موثوقة ومنظمة للتبرع، بحيث يشعر المتبرع بالاطمئنان أن تبرعه سيتم توظيفه كما ينبغي وبأقصى درجات الحماية.

تجربة المستخدم وسهولة الاستخدام (User Experience)

تعد تجربة المستخدم (UX) السلسة والبسيطة من المقومات الأساسية لأي منصة رقمية ناجحة، ولا سيما منصات التبرع الخيري. ينبغي تصميم واجهات تفاعلية واضحة ومتوافقة مع اللغة العربية لتوجيه المتبرع خطوة بخطوة دون تعقيد. كلما كانت عملية التبرع أبسط وأقل عددًا من النقرات، زادت فرص إتمام المتبرع لعملية التبرع وعدم تراجعه في منتصف الطريق. وتشير الإحصائيات إلى فجوة يجب الانتباه لها: فعلى الرغم من أن حوالي %57 من زوار مواقع المنظمات يأتون من الأجهزة المحمولة، إلا أنهم لا يشكّلون سوى %37 من إجمالي المتبرعين. هذا يدل على أنّ الكثيرين قد يتصفحون الموقع عبر الهاتف لكن ربما يواجهون صعوبة أو تجربة أقل سهولة عند التبرع، مما يؤدي إلى ترك العملية. بالتالي، تحسين تجربة التبرع عبر الهاتف وعمومًا عبر جميع الأجهزة أصبح ضرورة (وسنناقش دعم الهواتف المحمولة بمزيد من التفصيل لاحقًا).

لضمان تجربة مستخدم ناجحة، يجب مراعاة ما يلي: تصميم صفحة تبرع مبسطة تحتوي على الحد الأدنى من الحقول المطلوبة، وتوفير تفسيرات واضحة لكل خطوة. مثلًا، يمكن عرض شريط تقدّم يبيّن للمتبرع أين وصل في العملية (إدخال المبلغ، ثم المعلومات، ثم التأكيد). كما يستحسن توفير خيارات تبرع سريعة مثل مبالغ مقترحة (على سبيل المثال أزرار جاهزة بقيم 10، 50، 100 دولار) لتسريع عملية الاختيار. وقد باتت بعض المنصات تعتمد التبرع بنقرة واحدة خاصة للمستخدمين المسجّلين الذين حفظوا معلومات دفعهم، مما يختصر الوقت والجهد.

كذلك، تكامل المنصة مع وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يعزز تجربة المستخدم؛ كأن يستطيع المتبرع مشاركة حملات التبرع التي تهمه مباشرة عبر حساباته في فيسبوك أو تويتر لدعوة أصدقائه للمساهمة. هذا التكامل يسهّل انتشار الحملات وزيادة التفاعل المجتمعي معها. وأخيرًا، يجب الاهتمام بتقديم دعم فني سريع ومتجاوب (مثل وجود دردشة مباشرة أو قسم مساعدات FAQs مبسّط) لضمان معالجة أي مشكلات تواجه المتبرعين فورًا وعدم خسارة مساهماتهم بسبب عقبات تقنية أو استفسارات دون إجابة.

تنوع وسائل الدفع وتسهيل التبرع (Payment Options)

يتوقع المستخدم الحديث دعمًا لمختلف وسائل الدفع الرقمية لتناسب تفضيلاته وظروفه، لذلك تنوّع خيارات الدفع يعتبر من أهم الميزات الواجب توفرها. المنصة المرنة يجب أن تتيح للمتبرع مجموعة واسعة من طرق الدفع، أبرزها:

  • البطاقات المصرفية: دعم بطاقات الائتمان والخصم (فيزا، ماستركارد، مدى في السعودية، وغيرها). معظم المتبرعين عالميًا يفضلون التبرع عبر البطاقات، إذ تشير الدراسات إلى أن حوالي %63 من المتبرعين يفضلون الدفع بالبطاقة الائتمانية أو الخصم. لذا فدعم البطاقات أساسي، مع ضمان تجربة دفع آمنة وسلسة عبر بوابات دفع معروفة.
  • المحافظ والدفع الإلكتروني: توفير خيارات مثل PayPal والمحافظ الرقمية المحلية والعالمية (مثل Apple Pay وGoogle Pay). ورغم انتشار هذه المحافظ، إلا أن نسبة منظمات غير الربحية التي أضافتها لا تزال متواضعة – فقط %33 من المنظمات توفر Apple Pay و%24 توفر Google Pay كخيارات دفع – مما يعني أن المنصة التي تدعمها ستتميز بتقديم مرونة أكبر لشريحة واسعة من المتبرعين، لاسيما من يستخدمون الهواتف الذكية.
  • التحويل المصرفي المباشر: بعض المتبرعين التقليديين قد يفضلون التحويل البنكي أو الدفع نقدًا عبر وكلاء. من المهم توفير تعليمات واضحة لكيفية التبرع عبر الحسابات البنكية للمنظمة، وتحسين تتبع هذه التحويلات في النظام بحيث تُضاف إلى رصيد الحملة بمجرد تأكيد الاستلام.
  • الدفع عبر الرسائل القصيرة (SMS): في بعض الدول، توجد خدمات تتيح للمتبرع إرسال رسالة نصية برمز معين ليتم خصم مبلغ محدد كتبرع من رصيد هاتفه أو فاتورته. هذه الوسيلة شائعة لجمع التبرعات السريعة (مثلاً التبرع بمبالغ صغيرة لصالح حملات إغاثة عاجلة)، لذا تكامل المنصة مع بوابات مشغلي الاتصالات في المنطقة يدعم انتشار التبرع بين فئة الشباب بشكل خاص.
  • العملات الرقمية (Crypto): على الرغم من أن التبرع بالعملات المشفرة لا يزال في بداياته بالعالم العربي، إلا أنه آخذ بالانتشار عالميًا. بعض المنصات بدأت تدعم تلقي تبرعات بالبيتكوين وأشباهها، مستهدفة شريحة المانحين المهتمين بالتقنية الحديثة. دعم العملات الرقمية مع آليات التحويل الفوري للعملة المحلية قد يكون ميزة إضافية متقدمة لجذب هذا النوع من المتبرعين.

إن توفير هذه الخيارات المتنوعة يضمن تجربة تبرع مرنة تتناسب مع تفضيلات كل متبرع. فالمستخدم العربي اليوم يمتلك بطاقات مصرفية، وحسابات في محافظ إلكترونية، وربما رصيد هاتف يرغب باستثماره في عمل الخير. وكلما قلّت العقبات أمامه لدفع تبرعه (كأن يجد وسيلة الدفع التي يرتاح لها متوفرة بسهولة)، ارتفعت معدلات التحويل من زيارة الموقع إلى إتمام التبرع. الجدير بالذكر أيضًا أهمية تمكين التبرعات الدورية (المتكررة)، حيث يُفضل كثير من المتبرعين إعداد تبرع شهري ثابت لدعم قضية ما بدلًا من تبرع لمرة واحدة. هذه الميزة تعزّز الاستدامة المالية للمنظمة، وتسهِّل على المتبرع تقديم عطاء منتظم دون عناء التذكّر كل مرة. وبالطبع ينبغي أن تسمح المنصة للمتبرع بالتحكم التام بتبرعاته الدورية (تعديل المبلغ أو إيقافه متى شاء). خلاصة القول: تعدد وسائل الدفع وتيسير عملية إتمامها (مثل التخزين الآمن لبيانات الدفع للتبرع بنقرة، أو تكامل المنصة مع بوابات دفع محلية) أصبح معيارًا أساسيًا يجذب مختلف فئات المتبرعين ويفتح أبواب العطاء على مصراعيها.

قابلية التخصيص والتكيف مع احتياجات المستخدم (Customization & Personalization)

لا توجد منظمتان غير ربحيتين لديهما نفس الاحتياجات تمامًا، وكذلك يختلف المتبرعون في اهتماماتهم وطريقة تفاعلهم. من هنا تبرز أهمية قابلية التخصيص في منصات جمع التبرعات الرقمية، بحيث تكون مرنة وتتكيف مع هوية المنظمة واهتمامات جمهورها. فعلى مستوى المنظمة، يجب أن تتيح المنصة تخصيص واجهات التبرع وصفحات الحملات بما يتناسب مع العلامة التجارية للجهة الخيرية – كإضافة الشعار والألوان والصور الخاصة بالمشاريع – حتى يشعر المتبرع بالترابط بين حملة التبرع والجهة التي يعرفها ويثق بها. تشير بعض الدراسات في هذا السياق إلى أن توحيد هوية المنصة مع هوية المنظمة يرفع معدّل تفاعل المتبرعين ويعزز مصداقيتها، إذ أن الصفحات ذات العلامة الخاصة تحقق معدلات تحويل أعلى من الصفحات العامة بشكل ملحوظ. ولذلك، من المفيد أن تسمح المنصة بتخصيص رابط التبرع (URL) بحيث يحمل اسم المنظمة، وإضفاء طابع شخصي على رسائل الشكر ووصول الاستلام.

على مستوى تجربة المتبرع الفردي، يمكن توظيف التخصيص لتقديم محتوى ورسائل ملائمة لكل متبرع. مثلًا، المنصة التي تحتفظ بسجلات تبرعات المستخدم يمكنها عرض اقتراحات لمشاريع قد تهمّه بناءً على تبرعاته السابقة (“ربما ترغب في دعم مشروع التعليم بما أنك تبرعت لمبادرة مدرسية العام الماضي”). كما يمكن إتاحة خيار إهداء التبرع لشخص آخر (كأن يتبرع الشخص وينشر شهادة التبرع باسم صديق أو قريب في مناسبة معينة)، وهذه ميزة تخصيص مهمة للمستخدم العربي الذي قد يرغب في إهداء ثواب التبرع للآخرين.

علاوة على ذلك، اللغة وأسلوب الخطاب من عناصر التخصيص المهمة في العالم العربي. المنصة المرنة يجب أن تسمح للمنظمة باختيار أسلوب مخاطبة ملائم لجمهورها – فمثلًا حملات التبرع في رمضان قد تستخدم عبارات دينية (“صدقة جارية”، “زكاة مالك”) أكثر من الحملات الأخرى. القدرة على تخصيص النصوص ورسائل البريد الإلكتروني التنبيهية (مثل تذكير المتبرع بحملة جديدة أو شكر على تبرع) وفق سياق الحملة والزمن (رمضان، الأعياد، اليوم الوطني، إلخ) تجعل التواصل أكثر وقعًا وتأثيرًا. وقد أثبتت التجارب أن التواصل المخصص يزيد من تفاعل المتبرعين؛ فعندما يشعر المتبرع أن الرسالة موجّهة له شخصيًا وتعكس اهتماماته، تزيد احتمالية استجابته. ومع تزايد أدوات الذكاء الاصطناعي (التي سنتناولها في قسم قادم)، بات بالإمكان تحليل بيانات المتبرعين بهدف تخصيص أعمق في تجربة كل مستخدم. لكن حتى على مستوى الخصائص الأساسية، يجب أن توفر المنصة تحكمًا مرنًا لإعداد الحملات، تحديد الفئات (صدقة، زكاة، إغاثة…)، وضع أهداف التمويل، وإظهار شريط تقدم نحو الهدف، وإضافة قصص أو تحديثات عن الحملة. كل ذلك ضمن خيارات إعداد سهلة الفهم للموظفين غير التقنيين في المنظمة.

باختصار، التخصيص يعني أن المنصة لا تقدم حلًا جامدًا واحدًا للجميع، بل تكون كالقالب القابل للتعديل وفق طبيعة كل منظمة وكل حملة وكل متبرع. هذا ينعكس إيجابًا على مستوى التفاعل والولاء؛ حيث يشعر كل طرف أن المنصة بُنيت من أجله وتفهم احتياجاته، مما يعزز فرص استمرار الدعم والتبرع على المدى البعيد.

التحليلات وقياس الأداء (Analytics & Data Insights)

مع تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية، تصبح البيانات بمثابة النفط الجديد الذي يجب استثماره بحكمة. توفر منصات جمع التبرعات الحديثة أدوات تحليل البيانات لمساعدة صناع القرار في المنظمات غير الربحية على فهم سلوك المتبرعين وتحسين حملاتهم التمويلية. لذا، فإن وجود لوحات قياس تفاعلية (Dashboards) ضمن المنصة يعد ميزة أساسية لمراقبة الأداء بشكل مستمر. هذه اللوحات يمكن أن تعرض إحصائيات مثل: إجمالي المبالغ المجموعة لكل حملة، عدد المتبرعين النشطين، متوسط قيمة التبرع، نسبة المتبرعين المتكررين مقابل الجدد، وغيرها من المؤشرات الحيوية.

من خلال تحليلات دقيقة، تستطيع المنظمة الإجابة عن أسئلة مهمة: ما هي أنواع الحملات الأكثر جذبًا للمساهمات؟ في أي أوقات أو مناسبات يزيد التبرع (رمضان، نهاية العام، الأزمات الإنسانية)؟ ما هي القنوات التسويقية التي جاءت منها أغلب الزيارات المتحوِّلة إلى تبرعات (بريد إلكتروني، فيسبوك، إعلانات…)? كذلك يمكن عبر التحليلات تقسيم شرائح المتبرعين وفهم خصائص كل شريحة؛ مثلًا قد تلاحظ المنظمة أن المتبرعين الشباب يفضلون الدفع عبر المحافظ الإلكترونية ويقدمون مبالغ أصغر لكن بصورة متكررة، بينما المتبرعين الأكبر سنًا يميلون للتبرع بمبالغ أكبر عبر التحويل البنكي أو الشيكات. هذه الرؤى المستمدة من البيانات تسمح بتخصيص التواصل والاستراتيجيات لكل فئة، ما يؤدي في النهاية إلى زيادة فاعلية جمع التبرعات.

من الإحصاءات المهمة عالميًا والتي تلقي الضوء على جانب يجب الالتفات له هو معدل احتفاظ المنظمات بالمتبرعين؛ حاليًا يبلغ متوسط معدل الاحتفاظ بالمتبرعين رقميًا حوالي %41.9 فقط، أي أن قرابة نصف المتبرعين لا يعودون للتبرع مرة أخرى للسنة التالية. هذه النسبة المنخفضة تسلّط الضوء على حاجة المنظمات لاستخدام التحليلات لفهم أسباب ذلك والعمل على تحسين ولاء المتبرعين. على سبيل المثال، ربما تكشف البيانات أن نسبة كبيرة من المتبرعين لم تتلقَّ أي تحديث أو شكر بعد تبرعها الأول، وبالتالي يمكن تحسين برامج المتابعة والشكر والتقرير لهؤلاء لزيادة احتمالية استمرارهم. في الواقع، تشير الدراسات إلى أن التواصل المنتظم مع المتبرعين عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل يزيد الإيرادات بنحو 41.5% – وهي زيادة كبيرة يمكن تحقيقها فقط بالاستناد إلى بيانات واضحة وخطة تواصل مدروسة.

ميزة أخرى مرغوبة في جانب التحليلات هي التقارير القابلة للتصدير والمقارنة الزمنية. ينبغي أن تتيح المنصة للمنظمة استخراج تقارير دورية (شهرية، ربع سنوية، سنوية) ومقارنة أدائها عبر فترات مختلفة أو بين حملات مختلفة. كما يستحسن تكامل المنصة مع أدوات خارجية مثل Google Analytics أو بيكسلات تتبع وسائل التواصل لإغناء فهم رحلة المتبرع منذ تعرفه على الحملة وحتى إكمال التبرع.

في الخلاصة، القرار المبني على البيانات أصبح شعارًا لا غنى عنه. المنصة القوية هي التي لا تكون مجرد صندوق لتحصيل المال، بل أيضًا أداة ذكية تُزود المنظمة بمعلومات قابلة للتنفيذ تساعدها على زيادة أثر كل ريال أو درهم يتم جمعه، وتتيح لها التحسين المستمر لجهودها في استقطاب المجتمع للعطاء.

قابلية التوسع واستيعاب النمو (Scalability)

منصات التبرع الرقمية الناجحة هي تلك القادرة على التوسع ومواكبة ازدياد المستخدمين والتبرعات بدون التأثير على الأداء. ففي العالم العربي، هناك مواسم وظروف يمكن أن تشهد تدفقات هائلة من التبرعات في وقت قصير – مثل شهر رمضان الذي يعد ذروة العطاء الخيري، أو أثناء حملات إغاثية كبرى في حالات الكوارث. على سبيل المثال، رأينا كيف استطاعت منصة إحسان في السعودية معالجة قرابة 20 مليون عملية تبرع في شهر واحد (رمضان)، وكيف تمكنت إحدى المنصات العالمية من تلقّي 1.05 مليون عملية تبرع خلال 30 يومًا جمعت أكثر من 47 مليون دولار في رمضان 2022. هذه الأرقام الضخمة تعني أن المنصة يجب أن تُصمَّم منذ البداية بحيث تتوسع أفقيًا وعموديًا لاستيعاب الضغط المتزايد، وإلا فإن بطء الاستجابة أو تعطل الموقع خلال أوقات الذروة قد يفوّت على المنظمة فرصًا تمويلية كبيرة ويثلم ثقة المستخدمين.

بنية تحتية سحابية (Cloud Infrastructure) هي خيار شبه إلزامي الآن لضمان التوسع السريع. فالاستضافة السحابية تسمح بزيادة موارد الخادم (المعالجة، الذاكرة، عرض النطاق) تلقائيًا عند ارتفاع عدد الزوار أو المعاملات، ثم تقليلها في غير أوقات الذروة لضبط التكاليف. هكذا يبقى زمن استجابة المنصة سريعًا مهما بلغ عدد المتواجدين عليها في اللحظة نفسها. أيضًا، التخزين السحابي للصور والمواد الإعلامية يجعل تحميل الصفحات أسرع ويوفر تجربة سلسة. إلى جانب ذلك، لا بد من تبنّي ممارسات برمجية جيدة تضمن كفاءة التطبيق نفسه (مثل الاستعمال الأمثل لذاكرة التخزين المؤقت Caching لتقليل الضغط على قواعد البيانات عند تكرار الاستعلامات).

جانب آخر من قابلية التوسع هو القدرة على إضافة ميزات جديدة وتكاملها مع خدمات خارجية بسهولة كلما دعت الحاجة. المنصة التي تبدأ بدعم عشرات الآلاف من المتبرعين قد تحتاج بعد سنوات لدعم مئات الآلاف أو الملايين، مع دمج خدمات بريد إلكتروني جماعي، ورسائل نصية، وربما تطبيق جوال خاص. لذلك، تصميم هيكلية مرنة (Modular Architecture) يساعد على تطوير خصائص جديدة أو تعديل الموجودة دون إعادة بناء المنصة من الصفر. فعلى سبيل المثال، قد ترغب المنظمة مستقبلاً في ربط المنصة مع نظام إدارة علاقات العملاء (CRM) أو مع منصات التواصل الاجتماعي لجلب بيانات المتبرعين والتفاعل، أو إضافة بوابات دفع جديدة تظهر في الأسواق لاحقًا. ستكون المنصة القابلة للتوسع معدّة لاستيعاب هذه التحديثات بتكلفة وجهد أقل.

ولا ينبغي أن نغفل اختبارات التحمل الدورية كجزء من خطة التوسع. على القائمين على المنصة إجراء اختبارات محاكاة لسيناريوهات الضغط العالي (مثل حملة مفاجئة يتدفق فيها آلاف المتبرعين خلال ساعة) والتأكد من أن النظام يستطيع الصمود بدون مشاكل. النسخ الاحتياطي الفوري للبيانات وإجراءات التعافي من الكوارث (Disaster Recovery) تعتبر أيضًا من معايير المنصة الناضجة، حتى لا يؤدي أي عطل تقني إلى فقدان بيانات التبرعات أو توقف طويل.

باختصار، قابلية التوسع تعني استعداد المنصة للمستقبل والنمو. فعندما تحقق حملة ناجحة انتشارًا واسعًا أو تتبناها جهة إعلامية ويتضاعف الزوار فجأة، ينبغي أن تكون المنصة جاهزة لهذا الصعود المفاجئ. ولدى صناع القرار ورواد الأعمال التقنيين مهمة التأكد من أن البنية التحتية لتبرعاتهم الرقمية قوية بما فيه الكفاية لتحمل طموحاتهم وتطلعات مجتمعهم في العطاء، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى العالمي.

دعم اللغة العربية والت lokalization (Arabic Language Support)

دعم اللغة العربية بشكل كامل ومحترف هو عنصر لا غنى عنه لمنصة تستهدف المستخدمين في المنطقة العربية. اللغة ليست مجرد واجهة نصية، بل هي جزء من تجربة المستخدم وهوية المنصة. يجب أن تقدم المنصة تعريبًا كاملًا (Localization) يغطي كافة جوانبها، بدءًا من ترجمة القوائم والأزرار، مرورًا بالتواريخ والأرقام، وصولًا إلى المحتوى المُولَّد تلقائيًا مثل رسائل البريد الإلكتروني أو الإشعارات. المستخدم العربي يتوقع أن يجد المعلومات بلغته الأم دون أخطاء لغوية أو ترجمات حرفية ركيكة. لذلك، من المهم الاستعانة بمتخصصين في الترجمة العربية لضبط المصطلحات التقنية بشكل مفهوم وسلس. على سبيل المثال، استخدام كلمة “تبرع الآن” بشكل بارز على الزر الرئيسي بدلًا من كلمة أجنبية كـ”Donate” سوف يجعل التفاعل أكثر تلقائية للمستخدم المحلي.

جانب آخر مهم هو دعم اتجاه الكتابة من اليمين إلى اليسار (RTL)، حيث تتطلب اللغة العربية تنسيقًا خاصًا للصفحات. يجب أن يكون التصميم متجاوبًا ثنائي اللغة (Bi-Directional) بحيث يتم قلب اتجاه الصفحة للعربية بسلاسة دون أن تختل العناصر البصرية. وهذا يشمل محاذاة النصوص إلى اليمين، وعكس ترتيب الأعمدة، وضبط المحاذاة الصحيحة للأيقونات. منصة لا تراعي هذه التفاصيل ستظهر للمستخدم العربي كمنتج غير مكتمل الاحترافية، ما قد يؤثر على ثقته ورغبته في التعامل معها.

هناك أيضًا الاعتبارات الثقافية ضمن عملية التعريب. فمثلاً، تقويم الأحداث قد يكون من المفيد ضبطه ليعرض التقويم الهجري جنبًا إلى جنب مع الميلادي في المواسم الإسلامية (مثل رمضان أو ذي الحجة)، حيث يهتم الكثير من المتبرعين بمعرفة مواعيد الزكاة والصدقات وفق التقويم الهجري. أيضًا، أسلوب التخاطب قد يختلف؛ فالبعض يفضل اللغة الرسمية الفصحى، والبعض يحبذ نبرة ودودة قريبة من العامية الخفيفة في الرسائل التفاعلية. من الضروري دراسة الجمهور المستهدف وتكييف نبرة المحتوى بما يناسبه، مع الحفاظ طبعًا على الرسمية والاحترام في سياق التعامل الخيري.

لا ننسى دعم اللغات الأخرى أيضًا عند الحاجة. فالكثير من المنظمات في العالم العربي تخاطب جمهورًا متنوعًا قد يضم ناطقين بالإنجليزية أو الفرنسية (مثلاً في المغرب العربي). المنصة المثالية ستوفر إمكانية التبديل السريع بين العربية ولغة أخرى مع الحفاظ على نفس جودة التجربة. هذا الثنائية اللغوية توسع نطاق وصول الحملات الخيرية لتشمل الجاليات العربية في الخارج أو المتبرعين الأجانب الراغبين في دعم قضايا المنطقة.

من الجدير ذكره أن العالم العربي يمتلك نسبة عالية من مستخدمي الإنترنت الذين يفضّلون استهلاك المحتوى بلغتهم المحلية. فحسب بعض التقارير، فإن عدد مستخدمي الإنترنت العرب يفوق 200 مليون ومع ذلك فإن المحتوى العربي على الشبكة لا يتجاوز 5% من إجمالي المحتوى العالمي – مما يعني وجود فجوة وطلب كبير على المنصات التي تخاطب هذا الجمهور بلغة يفهمها. وبالتالي، أي منصة تبرع توفّر تجربة عربية أصلية ستكون لها أفضلية وانتشار أوسع. لقد رأينا مثلاً منصات مثل إحسان وتبرع في السعودية أو جود في الإمارات حظيت بإقبال كبير لأنها صُممت منذ البداية للمستخدم المحلي بلغته ووفق سياقه الثقافي.

باختصار، اللغة العربية ليست ميزة إضافية بل هي متطلب أساسي. والاهتمام بتفاصيل دعم العربية – تقنيًا ولغويًا – هو استثمار مباشر في رضا المستخدم العربي وبالتالي في نجاح المنصة واستدامتها.

التوافق مع الهواتف المحمولة (Mobile Support)

بات من المعروف أن المستخدمين في المنطقة العربية من الأكثر ارتباطًا بالهواتف الذكية عالميًا. فقد بلغت نسب انتشار الهواتف الذكية مستويات قياسية في دول الخليج خصوصًا، حيث تصل إلى أكثر من %90 من السكان في الإمارات وعُمان، وأكثر من %80 في السعودية والأردن والكويت. هذا يعني أن غالبية المتبرعين المحتملين سيصلون إلى منصات التبرع عبر أجهزتهم المحمولة سواء كانت هواتف أو حواسيب لوحية. من هنا، دعم الهواتف المحمولة بشكل ممتاز هو مفتاح لنجاح المنصة.

أول ما يتبادر إلى الذهن هو ضرورة أن يكون تصميم الموقع متجاوبًا (Responsive Design)، بحيث يتكيف تلقائيًا مع مختلف أحجام الشاشات. الشاشة الصغيرة للهاتف تتطلب إعادة ترتيب المحتوى بشكل عمودي مبسط، وتكبير حجم الخطوط والأزرار لتكون قابلة للنقر باللمس بسهولة. واجهة المستخدم على الجوال يجب أن تركّز على الأساسيات: زر التبرع الواضح، والقائمة المبسطة، وتجنب العناصر التي قد لا تعمل جيدًا عبر الهاتف (مثل الجداول العريضة أو النصوص الطويلة جدًا دون تقسيم).

إضافة إلى الموقع المتجاوب، تطبيقات الهواتف الذكية قد تكون مهمة أيضًا لمنصات التبرع الكبرى. وجود تطبيق مخصص يتيح للمستخدم تلقي إشعارات فورية بالحملات الجديدة أو أهداف التبرع التي تهمه، ويمكنه من التبرع بسرعة دون الحاجة لإدخال بياناته في كل مرة، سيعزز من تفاعل المستخدمين الأوفياء. بعض المنظمات ربما لا تمتلك الموارد لتطوير تطبيق منفصل، لكن على الأقل ينبغي ضمان أن تجربة الويب عبر المتصفح المحمول على أعلى مستوى من الجودة.

لقد أشرنا سابقًا إلى إحصائية تبعث على الانتباه: فقط %33 من إجمالي التبرعات عبر الإنترنت تأتي من أجهزة محمولة (مقابل %67 من الحواسيب) رغم أن نسبة زيارات المواقع من الهواتف قد تفوق ذلك بكثير. هذا يشير غالبًا إلى قصور في تجربة المستخدم على المحمول تؤدي لعدم إكمال عملية التبرع. المنصة المثلى يجب أن تعالج هذه الفجوة عبر ميزات تسهّل التبرع عبر الهاتف تحديدًا. من تلك الميزات التبرع بنقرة واحدة كما ذكرنا، وأيضًا دمج خيارات الدفع الخاصة بالموبايل (مثل Apple Pay، حيث يمكن للمتبرع استخدام بصمة الإصبع أو تقنية التعرف على الوجه لإتمام الدفع خلال ثوانٍ). هذه التقنيات تختصر عملية إدخال بيانات البطاقة يدوياً، مما يقلل الجهد ويزيد التحويل على الهواتف.

جانب آخر هو الأداء على الهاتف: يجب تحسين سرعة تحميل الصفحات على شبكات الهاتف المتنقل التي قد تكون أبطأ من الإنترنت المنزلي. كل ثانية انتظار إضافية قد تعني خسارة متبرع. تقنيات مثل AMP (صفحات الموبايل المسرَّعة) أو التحميل الكسول للصور (Lazy Loading) يمكن أن تساهم في تسريع إظهار المحتوى للمتبرع على هاتفه.

ولا ينبغي أن ننسى اختبار المنصة عبر مختلف أنواع الأجهزة وأنظمة التشغيل (أندرويد و iOS) للتأكد من التوافقية. فمن الشائع أن بعض الخصائص تعمل على متصفح دون آخر أو على نظام دون غيره. منصة محترفة ستخضع لجولات اختبار تجربة المستخدم على طيف واسع من الأجهزة الشائعة لضمان عدم وجود خلل يذكر. يُنصح أيضًا بجمع ملاحظات المستخدمين حول تجربتهم في التبرع عبر الهاتف بشكل خاص، واستثمار تلك الملاحظات في التحسين المستمر.

في المحصلة، دعم المحمول لم يعد خيارًا بل ضرورة لازمة. إنه يعني في جوهره الذهاب إلى حيث يوجد المستخدمون فعليًا – وهم اليوم على أجهزتهم الذكية معظم الوقت. منصة غير مهيأة للموبايل تعني تفويت شريحة ضخمة من الجمهور. أما المنصة التي تنجح في جعل التبرع سهلًا من راحة يد المستخدم، فسوف تجمع ثمار ذلك في هيئة تفاعل أعلى ومعدلات تبرع أكبر بلا شك.

توظيف الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة (AI Integration)

يعتبر الذكاء الاصطناعي (AI) من أبرز التوجهات التقنية التي يتعين على منصات جمع التبرعات الحديثة الاستفادة منها. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم نظري أو كلمة رنانة؛ بل أصبح أداة فعّالة يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في أسلوب جمع التبرعات وإدارة العلاقة مع المتبرعين. هناك مجالات عديدة يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز المنصة من خلالها، نذكر أهمها:

  • تحليل البيانات والتنبؤ: بفضل خوارزميات التعلم الآلي (Machine Learning)، تستطيع المنصة تحليل الكمّ الهائل من بيانات المتبرعين للتعرّف على أنماط السلوك والتبرع. مثلاً، يمكن للنظام التنبؤ بالفترة التي يحتمل أن يقوم فيها متبرع معين بالتبرع مرة أخرى بناءً على سلوكه السابق، ومن ثم توجيه رسالة تذكير أو حملة مستهدفة له في الوقت المناسب. كذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد المتبرعين الأكثر قيمة (High-Value Donors) ووضعهم في قائمة خاصة ليتم التواصل معهم بشكل شخصي أكثر أو دعوتهم لبرامج الولاء.
  • التخصيص الديناميكي للمحتوى: باستخدام AI، يمكن تخصيص تجربة كل متبرع بشكل آلي ومُعمَّق. على سبيل المثال، قد تقوم المنصة بعرض حملات مختلفة على صفحتها الرئيسية بناءً على اهتمام المتبرع الذي يقوم بتسجيل الدخول. إذا أظهرت البيانات أن متبرعًا ما دأب على دعم مشاريع التعليم، يمكن للمنصة أن تبرز له حملة جارية لبناء مدرسة جديدة بمجرد دخوله. هذا المستوى من التخصيص الذكي لم يكن ممكنًا بسهولة في السابق، لكنه الآن قابل للتحقيق بفضل تقنيات توصية المحتوى التي تشابه ما تفعله منصات مثل يوتيوب أو نتفليكس لكن في سياق خيري.
  • المساعدات الافتراضية والدردشة الذكية: قد يتردد بعض المتبرعين عندما تكون لديهم أسئلة لم يجدوا إجابتها فورًا – مثل تفاصيل عن الحملة أو آلية التبرع أو الوجهة النهائية للمبلغ. هنا يأتي دور الشات بوت (Chatbot) المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي يمكنه التفاعل مع المستخدمين عبر منصة التبرع والإجابة الفورية عن استفساراتهم باللغة العربية وعلى مدار الساعة. هذه التقنية تعزز من التفاعل الفوري وتحل الكثير من المشكلات دون تدخل بشري، وتمنع فقدان متبرع محتمل بسبب انتظاره طويلاً للحصول على المعلومة.
  • تعزيز كفاءة الحملات التسويقية: يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين استهداف الإعلانات الرقمية لجذب المتبرعين. منصات مثل جوجل وفيسبوك توفر بالفعل أدوات ذكاء اصطناعي لضبط عرض الإعلانات لمن هم أكثر احتمالاً للتفاعل. في دراسة حالة حديثة لإحدى المؤسسات الخيرية السعودية، أدى اعتماد استراتيجية إعلانية مدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى زيادة التبرعات بنسبة 110% عن العام السابق، ونمو عدد المتبرعين بنسبة 25% – نتيجة مبهرة تؤكد أثر AI في تحسين الوصول والاستجابة. فالنظام قام بتحليل سلوك المتبرعين وضبط عروض الأسعار في الإعلانات بشكل تلقائي لتحقيق أقصى عائد من كل ريال يُنفق على التسويق.
  • الكشف عن الاحتيال وضمان النزاهة: مع ازدياد التعاملات الإلكترونية، قد تظهر تحديات مثل التبرعات الوهمية أو استخدام بطاقات مسروقة. يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي المتخصصة في اكتشاف الأنماط الشاذة أن ترصد أي نشاط مريب (كأن يقوم حساب جديد بتبرعات كبيرة متعددة في وقت قصير بشكل غير اعتيادي) وإيقافه أو وضعه تحت المراجعة قبل حدوث ضرر. هذا يحمي المنصة والمنظمات من المشاكل القانونية ويصون ثقة المتبرعين بأن عملية التبرع سليمة تمامًا.

إضافة إلى ما سبق، هناك استخدامات متقدمة بدأت بعض المنصات العالمية بتجربتها، مثل توليد محتوى تلقائي. على سبيل المثال، قد يساعد الذكاء الاصطناعي في صياغة مسودات أخبار الحملة أو قصص النجاح اعتمادًا على بعض المدخلات، مما يوفر وقت العاملين ويرفع جودة التواصل. بالطبع يبقى العنصر البشري مهمًا للمراجعة وإضفاء اللمسة الإنسانية، لكن AI يمكن أن يكون مساعدًا إبداعيًا في هذا الجانب.

في الختام، تبنّي الذكاء الاصطناعي في منصات التبرع لم يعد ترفًا بل توجهًا استراتيجيًا لمن يريد مواكبة المستقبل. فهو يمكن أن يعظم الأثر عبر رفع كفاءة جمع التبرعات وتقليل الهدر الزمني والمالي، كما يفتح الباب أمام ابتكارات جديدة تحفّز الجمهور (مثل برامج ولاء للمتبرعين، أو توصيات مشاريع ملهمة مصممة خصيصًا لكل شخص). ومن شأن الاستثمار المبكر في هذه التقنيات أن يجعل المنصة في موقع الريادة مقارنة بمنافسيها، ويضمن لها قدرة أعلى على الصمود والتطور في المشهد الرقمي سريع التغير.

خاتمة: التوجهات المستقبلية وأهمية الاستثمار المستدام

في ظل التطور التقني المتسارع ودخولنا عصر التحول الرقمي في العمل الخيري، أصبحت المنصة الرقمية المرنة والآمنة العمود الفقري لنجاح جهود جمع التبرعات. تناولنا في هذا المقال جملة من الميزات الأساسية – من الأمان وتجربة المستخدم إلى الدفع المتعدد والتحليلات والذكاء الاصطناعي – وكلها تشكل بمجموعها الصورة الحديثة لمنصة التبرع الشاملة التي تلبي توقعات المتبرع والمنظمة على حد سواء. التوجه العام يشير إلى استمرار تصاعد دور التقنيات في تعزيز ثقافة العطاء: المزيد من التخصيص، المزيد من السرعة والسهولة، المزيد من الذكاء في التواصل والتفاعل.

المستقبل يحمل فرصًا واسعة للابتكار في هذا المجال. قد نرى انتشارًا أكبر لتقنيات البلوك تشين (Blockchain) لضمان شفافية تتبع التبرعات وتعزيز ثقة المتبرعين عبر سجلات غير قابلة للتلاعب. أيضًا، مع تنامي الأجيال الشابة الرقميّة، سيكون على المنصات مواكبة منصات التواصل الاجتماعي الناشئة وطرق الدفع الجديدة التي يفضلها هذا الجيل، وربما إدماج عناصر الألعاب والتحفيز (Gamification) لجعل عملية التبرع أكثر تشويقًا وتفاعلية. ومن المتوقع كذلك أن نشهد تعاونًا أوثق بين المنظمات الخيرية والتقنية – كما فعلت مؤسسة خيرية استغلت أدوات جوجل الإعلانية المدعومة بالـAI لتحقيق نتائج قياسية – بحيث تتبنى المنظمات عقلية الشركات الناشئة في التطوير والتحسين المستمر.

إن الاستثمار في بناء منصة رقمية متكاملة ليس مجرد نفقات تقنية، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل العمل الخيري للمنظمة. منصة قوية تعني قدرة أعلى على الاستجابة للظروف الطارئة (كما رأينا في قدرة المنصات على استيعاب تدفق التبرعات خلال الأزمات ومواسم الخير)، وتعني أيضًا توسيع نطاق الوصول ليشمل المتبرعين من مختلف أنحاء العالم بضغطة زر. والأهم أنها تعني تعزيز الأثر: فكل تحسين في تجربة المستخدم أو إضافة ميزة مبتكرة يمكن أن يترجم إلى زيادة ملموسة في التمويل المتحقق للأهداف النبيلة التي تسعى إليها المنظمات غير الربحية.

في الختام، الرسالة الجوهرية لصنّاع القرار ورواد الأعمال التقنيين في القطاع غير الربحي هي: اجعلوا منصات التبرع الرقمي أولوية. ابتكروا، وطوروا، واستندوا إلى البيانات والأدلة لتوجيه قراراتكم. فالمجتمع الرقمي اليوم أكثر استعدادًا للعطاء من أي وقت مضى إذا ما وجد المنصة المناسبة. ومن خلال بناء منصة مرنة، آمنة، وسهلة الاستخدام، ستكونون قد وضعتم حجر الأساس لعلاقة متينة وطويلة الأمد بين الخير والتقنية – علاقة تعود بالمنفعة على الإنسان والمجتمع ككل، اليوم وغدًا.

المراجع والمصادر:

  • تقرير Verified Market Reports حول توجهات جمع التبرعات الرقمية 2024
  • إحصاءات Nonprofit Tech for Good عن التبرعات عبر الإنترنت 2023
  • تقرير Donorbox لإحصاءات نهاية العام 2024
  • تقرير Muslim Ad Network عن تبرعات رمضان 2022
  • بيانات وكالة أنباء الإمارات حول تبرعات جمعية الشارقة الخيرية الرقمية
  • مقال أحمد الجميعة – صحيفة عكاظ (منشور في إيلاف) حول منصات التبرع في السعودية
  • بيان منصة إحسان – رمضان 2025 (جريدة الوطن السعودية عبر الخليج 365)
  • دراسة حالة منصة Think with Google عن حملة تبرع بالذكاء الاصطناعي في السعودية
  • تقرير Lucidity Insights حول انتشار الهواتف الذكية في الشرق الأوسط
  • إحصاءات متنوعة عن سلوك المتبرعين رقميًا من مصادر مثل M+R Benchmarks وGivingTuesday Data Commons وغيرها.